سورة الحجر - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)}
ونعلم أن الشياطين كانوا يسترقون السمع لبعض من منهج الله الذي نزل على الرسل السابقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وكانوا يحاولون أن يُضيفوا لها من عندهم ما يُفسِد معناها، وما أنْ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى منع كل هذا بأمر من الحق سبحانه، ويقول جل عُلاَه: {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ...} [الأنعام: 121].
ولذلك نجد الشياطين تقول ما ذكره الحق سبحانه على ألسنتهم في كتابه العزيز: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن: 8-10].
وهكذا علمنا أنهم كانوا يسترقون السمع؛ ويأخذون بِضْعاً من كلمات المنهج ويزيدون عليها؛ فتبدو بها حقيقة واحدة وألف كذبة. وشاء الحق سبحانه أن يُكِّذب ذلك؛ فقال: {وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} [الحجر: 17].
والشيطان كما نعلم هو عاصي الجن.
ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: {إِلاَّ مَنِ استرق...}.


{إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ(18)}
وكلمة: {استرق...} [الحجر: 18].
تُحدِّد المعنى بدقة، فهناك مَنْ سرق؛ وهناك مَنْ استرق؛ فالذي سرق هو مَنْ دخل بيتاً على سبيل المثال، وأخذ يُعبّئ ما فيه في حقائب، ونزل من المنزل على راحته لينقلها حيث يريد.
لكن إنْ كان هناك أحد في المنزل؛ فاللص يتحرك في استخفاء؛ خوفاً من أن يضبطه مَنْ يوجد في المنزل ليحفظه؛ وهكذا يكون معنى (استرقَ) الحصول على السرقة مقرونة بالخوف.
وقد كان العاصون من الجِنِّ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون السمع للمنهج المُنزّل على الرُّسُل السابقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ واختلف الأمر بعد رسالته الكريمة؛ حيث شاء الحق سبحانه أنْ يحرسَ السماء؛ وما أنْ يقترب منها شيطان حتى يتبعه شهاب ثاقب.
والشهاب هو النار المرتفعة؛ وهو عبارة عن جَذْوة تشبه قطعة الفحم المشتعلة؛ ويخرج منه اللهب. وهو ما يُسمّى بالشهاب.
أما إذا كان اللهب بلا ذؤابة من دخان؛ فهذا اسمه (السَّمُوم). وإنْ كان الدخان مُلْتوياً، ويخرج منه اللهب، ويموج في الجو فيُسمى (مارج) حيث قال الحق سبحانه: {... مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} [الرحمن: 15].
وهكذا نجد السماء محروسة بالشهب والسَّمُوم ومارج من نار.
ويقول سبحان من بعد ذلك: {والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا...}.


{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ(19)}
وحين نسمع كلمة الأرض فنحن نتعرف على المقصود منها، ذلك أنه ليس مع العين أَيْن. والمّدُّ هو الامتداد الطبيعي لِمَا نسير عليه من أيِّ مكان في الأرض.
وهذه هي اللفتة التي يلفتنا لها الحق سبحانه؛ فلو كانت الأرض مُربعة؛ أو مستطيلة؛ أو مُثلثة؛ لوجدنا لها نهاية وحَافّة، لكِنّا حين نسير في الأرض نجدها مُمْتدة، ولذلك فهي لابُد وأن تكون مُدوَّرة.
وهم يستدلون في العلم التجريبي على أن الأرض كُروية بأن الإنسان إذا ما سار في خط مستقيم؛ فلسوف يعود إلى النقطة التي بدأ منها، ذلك أن مُنْحنى الأرض مصنوعٌ بدقة شديدة قد لا تدرك العين مقدارَ الانحناء فيه ويبدو مستقيماً.
وحين يقول الحق سبحانه: {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ...} [الحجر: 19].
يعني أشياء تثبتها. ولقائل أنْ يتساءل: مادامت الأرض مخلوقةً على هيئة الثبات فهل كانت تحتاج إلى مثبتات؟
ونقول: لابد أن الحق سبحانه قد خلقها مُتحركة وعُرْضة لأنْ تضطربَ؛ فخلق لها المُثقّلات، وهكذا نكون قد أخذنا من هذه الآية حقيقتين؛ التكوير والدوران.
وهناك آية أخرى يقول فيها الحق سبحانه: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب...} [النمل: 88].
ونفهم من هذا القول الكريم أن حركة الجبال ليست ذاتيةً بل تابعة لحركة الأرض؛ كما يتحرك الحساب تبعاً لحركة الرياح.
وشاء سبحانه أن يجعل الجبال رواسي مُثِّبتات للأرض كي لا تميدَ بنا؛ فلا تميل يَمْنة أو يَسْرة أثناء حركتها.
ويقول الحق سبحانه: {... وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} [الحجر: 19].
وأنبت سبحانه من الأرض كُلَّ شيء موزون بدقّة تناسب الجو والبيئة، ويضم العناصر اللازمة لاستمرار الحياة.
ويقول سبحانه من بعد ذلك: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ...}.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9